الشفاء الروحي - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٣١٩
حكمته ان يسلط عليهم تسليطا كونيا لا تشريعيا (1) ملكا جبارا يذلهم ويقتل رجالهم ويخرجهم من أبنائهم وديارهم ويستعبد نساءهم مما اضطرهم أن يرجعوا إلى نبيهم الذي قد خالفوه من قبل وسألوه أن يسأل لهم الله في أن يبعث لهم ملكا قويا يقاتلون معه في سبيل الله فاستجاب لهم نبيهم وسأل ربه ذلك فاختار لهم طالوت الذي زاده الله بسطة في العلم والجسم.
وكل من يختاره الله لا بد أن يزوده بقوة في العلم والجسم ليستطيع بهما إدارة شؤون أهل زمانه ويوصلهم إلى الكمال والأمان اللائق بهم.
وهكذا شاء الله تبارك وتعالى أن يختار لهذه الأمة الإسلامية سيد رسله وخاتم أنبيائه محمد (ص) فأرسله رحمة للعالمين وأكمل له ولأمته الدين وأتم لهم النعمة كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ([المائدة / 4]، وجعل شريعته جامعة لكل ما تفرق في الشرائع السابقة من النظم - في الصالح العام - وفضلها عليها.
قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا

(1) الأمور التي تقع في الكون انما تكون بمشيئة الله التكوينية " فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " وهي ما يقع بالفعل في الكون من خير أو شر وإيمان أو كفر وطاعة أو معصية والله يحب ويرتضي الخير والإيمان والطاعة ولا يرتضي ولا يحب الشر والكفر والمعصية ولكن لا يكون منهما شئ إلا بمشيئته وإرادته ومنها تسلط الظالمين ومنكراتهم.
أما الأمور التشريعية الدينية فهي النظم التي شرعها الله لعباده وعينها لهم بواسطة رسله وسائر حججه وأمرهم بأتباعها من طريق الاختيار لا الجبر ولا التسخير ولكن المخالفين لها يستحقون العقاب عليها دنيا وآخرة طبق حكمته وإرادته " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا " [الكهف / 30].
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»