الشفاء الروحي - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٢٤٠
ولكن قارون ما استجاب لهذا الردع ولا أصغى لهذا النصح من قومه بل رده بجملة واحدة تحمل شتى معاني الإفساد والفساد بإستكبار لئيم وبطر ذميم، حيث جاء في رده عليهم: (قال إنما أوتيته على علم عندي (، يقال: إن العلم الذي كان عنده هو علم الكيمياء، حقا انها قولة مغرور وكلمة مطموس البصيرة حيث نسي ان مصدر نعمه هو الله تعالى، فقومه يقولون له: (وابتغ فيما آتاك الله (وهو يقول: (إنما أوتيته على علم عندي (هكذا أعرض عن الله وذكره وما أنعم به عليه بكل ازدراء واستكبار، وجوابه هذا مكرر في البشرية من أمثاله فكم من الناس من يظن ان علمه وكده هما وحدهما السبب في غناه وثروته لذلك جاء التهديد له ولغيره من أمثاله: (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا (أي فإن كان ذا قوة وذا مال فقد أهلك الله من قبله أجيالا كانت أشد منه قوة وأكثر مالا ولم تنجهم قوتهم ولا أموالهم من الإهلاك الإلهي الذي حل بهم كفرعون وجنوده وأمثالهم كثير من الطغاة (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (والمراد من هذا النص بيان السنة الإلهية الكونية في تعذيب المجرمين وإهلاكهم بذنوبهم وعدم إمهالهم عند حلول آجالهم، ومحصله ان المؤاخذة الإلهية ليست كمؤاخذة الناس حتى إذا لاموه أو نصحوه صرف نفسه عنهم بما لفقه من الجواب حتى ينتفع في ذلك بعلمه بل هو الله سبحانه العليم الشهيد لا يسأل المجرمين عن ذنوبهم وانما يأخذهم بما اكتسبوا من البغي والظلم أخذ عزيز مقتدر على حين غفلة وهم لا يشعرون.
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»