الشفاء الروحي - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ٢٣٩
ولم يذكر القرآن فيم كان بغيه بل جعله مجهولا ليشمل شتى الصور والاحتمالات فربما كان بغيه عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشيائهم كما يصنع طغاة الأموال في كثير من الأحيان، وربما كان بغيه بحرمانهم حقوق فقرائهم في ذلك المال كي لا يكون دولة بين الأغنياء وحدهم، وربما كان بغيه بالتطاول والاستعلاء عليهم والإفساد في الأرض، أو هذا كله وغيره.
وعلى أية حال فقد حصل من قومه من حاول ردعه عن هذا البغي وإرجاعه إلى النهج القويم الذي يرضاه الله في التصرف بهذا الثراء لذا قال تعالى: (إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين (والمراد من هذا الفرح الذي لا يحب الله أهله هو البطر والغرور المفرط بمتاع الدنيا الفانية مما يسبب نسيان الآخرة ويعقبه البطر والأشر، لذلك قال بعدها: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين (أي اطلب فيما أعطاك الله من مال الدنيا تعمير الآخرة بإنفاق ما فيه من الحقوق في سبيل الله وطلب رضاه، ولا تنس ان نصيبك من الدنيا شئ قليل مما أوتيت وهو ما تأكله وتشربه وتلبسه وتسكنه فقط والباقي فضل زائد تتركه لغيرك، فخذ من دنياك ما يكفيك، وانفق منه لغيرك إحسانا كما آتاكه الله إحسانا من غير أن تستحقه وتستوجبه، ولا تطلب الفساد في الأرض بالاستعانة بما آتاك الله من مال وما اكتسبت من جاه فإن الله لا يحب المفسدين في الأرض وقد بناها على الصلاح والإصلاح.
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»