والثانية هي رسالة وسوف نعرض لها فيما بعد..
وتعد رسالة الرد على الجهمية والزنادقة من أقوى مدافع ابن حنبل التي صوبها نحو المسلمين والاتجاهات الأخرى المخالفة له، وعلى أساسها قامت مدارس واتجاهات عدوانية شديدة التطرف ضد العقل والآخرين حمل رايتها الحنابلة ومن سار على دربهم.
يقول ابن حنبل في رسالته في معرض ردوده على القائلين بفكرة خلق القرآن وهم في تصوره الجهمية ثم أن الجهمي ادعى أمرا وهو من المحال فقال: أخبرونا عن القرآن أهو الله تعالى أو غير ذلك؟ فادعى في القرآن أمرا يوهم الناس. فإذا سئل الجاهل عن القرآن هو الله أو غير الله، فلا بد أن يقول بأحد القولين:
فإن قال هو الله، قال له الجهمي كفرت.
وأن قال غير الله، قال صدقت، فلم لا يكون غير الله مخلوقا.
فيقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلى قول الجهمي.
وهذه المسألة من الجهمي هي من المغاليط.
والجواب للجهمي إذا سأل فقال أخبرونا عن القرآن هو الله أو غير الله؟
قيل له: إن الله جل ثناؤه لم يقل في القرآن أن القرآن أنا ولم يقل غيري وقال هو كلامي فسميناه باسم سماه الله به فقلنا كلام الله، فمن سمى القرآن باسم سماه الله به كان من المهتدين ومن سماه باسم من عنده كان عن الضالين..
ثم أن الجهمي ادعى أمرا آخر، فقال: أخبرونا عن القرآن هو شئ؟
فقلنا: نعم هو شئ.
فقال إن الله خالق كل شئ، فلم لا يكون القرآن من الأشياء المخلوقة وقد أقررتم أنه شئ فلعمري لقد ادعى أمرا أمكنه فيه الدعوى ولبس على الناس بما ادعى.
فقلنا إن الله سبحانه لم يسم كلامه في القرآن شيئا. إنما سمى شيئا الذي كان بقوله. ألم تسمع إلى قوله تبارك وتعالى (إنما قولنا لشئ) فالشئ ليس هو أمره وأنما الشئ الذي كان يقوله، وقال في آية أخرى (إنما أمره أراد شيئا) فالشئ ليس هو أمره وأنما الشئ الذي كان يأمره، فكذلك إذا قال (خالق كل شئ) لا يعني نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء