الدولة إلى مملكتين لا قوة لهما ولا مهابة، كانت مملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشاليم، بينما كانت مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها (شكيم) ثم (السامرة)، وبين المملكتين اشتعلت الحروب والصراعات، وقامت في كل مملكة العديد من الانقلابات طمعا في الحكم، وكانت هذه الانقلابات تنتهي بمجازر دموية. وفي بعضها كان الطرف المنتصر يقوم بقتل الأسرة المالكة ليقضي على النسل الملكي في المملكة المهزومة، وفي وسط هذا الظلام المتراكم قامت المسيرة الإسرائيلية تحت أعلام المملكتين. بعبادة البعل وبناء المشارف لتقديم الذبائح وصنعوا الشر وحادوا عن طريق الفطرة.
وبينما كانت المسيرة الإسرائيلية تتخبط في دروب الانحراف. جاء ملك آشور على مملكة إسرائيل وقام بسبيهم (عام 721 ق). وجاء ملك بابل على مملكة يهوذا وقام بسبيهم (عام 586 - ق م). وفي أرض السبي تغذت المسيرة الإسرائيلية من الثقافات العنصرية. ومن عقائد لا تؤمن بما وراء الحس. ولا ينقاد أتباعها إلا إلى اللذة والكمال المادي. وفي الحي اليهودي تلبست هذه الثقافات بلباس الدين. وظهرت مقولات الأخبار التي تصف اليهود بأنهم المخصوصون بالكرامة الإلهية لا تعدوهم إلى غيرهم. وبرروا ذلك بأن الله جعل فيهم نبوة وكتابا وملكا.
فلهم بذلك السيادة والتقدم على غيرهم. وأخذوا من أفواه أحبارهم أن الدين الموسوي لا يعدوا بني إسرائيل إلى غيرهم، وعلى هذا فهو جنسية بينهم، ولما كانت هذه الكرامة والسؤدد أمر جنسي خص بني إسرائيل، فالانتساب الإسرائيلي هو مادة الشرف وعنصر السؤدد والمنتسب إلى إسرائيل له التقدم المطلق على غيره. وتحت قيادة الحس والمادة أصبح القوم لا يقبلون قولا إلا إذا دل عليه الحس. وأن يقبلوا كل ما يريده أو يستحسنه لهم كبرائهم من جمال المادة وزخرف الحياة، وعلى امتداد هذا الفقه تناقضت الملكات الإنسانية قولا وفعلا بعد أن