هذا إن قاعدة أهل الكتاب خالية من العلماء الذين يبحثون عن الحقيقة.
فهؤلاء أثر أقدامهم على الطريق. والإسلام لم يغلق أبوابه أمام الذين يريدون الاستبصار منهم في الدين، وقد أمر الله تعالى بمجادلتهم بالتي هي أحسن. فقال تعالى في آية محكمة * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظالموا منهم) * (1) وقوله: * (إلا الذين ظلموا منهم) * يعني أهل الحرب، وذكر تعالى في كتابه. إن الذين قالوا أنهم من أتباع عيسى عليه السلام وعلى منهاج إنجيله، فيهم مودة للإسلام وأهله، وما ذاك إلا لما في قلوبهم من الرقة والرحمة، ويوجد فيهم قسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم ورهبانا، من صفتهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع والانقياد للحق واتباعه والإنصاف، وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول الخاتم (ص). ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، قال تعالى: * (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وإنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق. يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين) * (2)، فهذا الصنف من النصارى كان أول ظهوره بالحبشة في النجاشي وأصحابه، وهم المذكورين في قوله تعالى: * (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله) * (3)، وهم الذين قال الله فيهم * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون. وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين) * (4)، ومنذ أيام النجاشي