وكان ممن نقم على الخليفة، وحرض عليه غاية التحريض أم المؤمنين عايشة، وطلحة والزبير، وغيرهم من الصحابة حتى انتهت هذه الحركة بقتل عثمان بعدما كان أمير المؤمنين علي عليه السلام من أشد المدافعين عنه، وأخلص نصحائه، وبعدما استقر الأمر وسكنت الاضطرابات، وسكتت أصوات الثائرين بعد تمامية البيعة، والولاية لعلي عليه السلام، ولم ينالوا بعض الثائرين والناقمين على عثمان كأم المؤمنين عايشة، وطلحة، والزبير ما أرادوا من تهييج الناس على عثمان الذي انتهى بقتله.
أخذوا - ويا للسخرية - يطالبون بدمه، والاقتصاص من قتلته فنكث طلحة والزبير بيعتهما وخرجا بأم المؤمنين عائشة إلى البصرة. وفتحوا على المسلمين أبواب الحروب الداخلية، وتتابعت الأحداث والفتن، وتغلب على بلاد الإسلام وأمور المسلمين ولاة وحكام لم يقل استبدادهم، واستضعافهم المسلمين عن الأكاسرة والقياصرة، وصار ما صار، وآل الأمر إلى ما آل من قضاء على الإسلام، وتمزيق للمسلمين، وديارهم، وتسليط أعداءهم عليهم.
ومع هذا كله لا يمكن مطالبة المسلم الباحث بأن يصوب أعمال هؤلاء ومن أن التاريخ حفظ من هذه الأحداث وآثارها المخزية ما حفظ كيف يمكن في هذا العصر - عصر الكتابة والطباعة، والقضاء على الأمية - منع جيلنا المسلم عن مطالعة التاريخ، وعن البحث في هذه الأحاديث، والسؤال عما كان ورائها، وعما كان المسبب لها، والمحقق لمآسيها، وفظائعها.
فلو فرض محو اسم الشيعة، وكتبهم ومعارفهم عن صفحة الوجود فلا يقتنع الباحثون المعاصرون بقراءة التأريخ من غير تدبير ومعرفة ولا يمكن منعهم من ذلك كما لا يمكن إقناعهم بحمل كل ذلك على الاجتهاد وصدوره عن نيات صادقة خالصة.