المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٢٦١
فلما قال النبي (ص): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه» (1)، فلو أطعمه بعض كفايته وتركه جائعا لم يكن مكرما له؛ لانتفاء أجزاء الإكرام، ولا يقال: الإكرام حقيقة مطلقة، وذلك يحصل بإطعام لقمة، كذلك إذا قال: (خالفوهم)؛ فالمخالفة المطلقة تنافي الموافقة في بعض الأشياء أو في أكثرها على طريق التساوي؛ لأن المخالفة المطلقة ضد الموافقة المطلقة، فيكون الأمر بأحدهما نهيا عن الآخر، ولا يقال: إذا خالف في شيء ما فقد حصلت المخالفة، كما لا يقال: إذا وافقه في شيء ما فقد حصلت الموافقة.
وسر ذلك الفرق بين مفهوم اللفظ المطلق وبين المفهوم المطلق من اللفظ، فإن اللفظ يستعمل مطلقا ومقيدا.
فإذا أخذت المعنى المشترك بين جميع موارده مطلقها ومقيدها كان أعم من المعنى المفهوم منه عند إطلاقه، وذلك المعنى المطلق يحصل بحصول بعض مسميات اللفظ في أي استعمال حصل من استعمالاته المطلقة والمقيدة.
وأما معناه في حال إطلاقه؛ فلا يحصل بعض معانيه عند التقييد، بل يقتضي أمورا كثيرة لا يقتضيها اللفظ المقيد.
فكثيرا ما يغلط الغالطون هنا، ألا ترى أن الفقهاء يفرقون بين الماء المطلق وبين المائية المطلقة الثابتة في المني والمتغيرات وسائر المائعات، فأنت تقول عند التقييد: أكرم الضيف بإعطاء هذا الدرهم، فهذا إكرام مقيد، فإذا قلت: أكرم الضيف؛ كنت آمرا بمفهوم اللفظ المطلق، وذلك يقتضي أمورا لا تحصل بحصول إعطاء درهم فقط.

(١) جزء من حديث رواه البخاري في (كتاب الأدب، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه، ٦١٣٨)، ومسلم في (كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، 48).
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»