المنتخب من كتب ابن تيمية - الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف - الصفحة ٢٦٥
الفرق بين الأمكنة التي قصد النبي (ص) الصلاة أو الدعاء عندها وبين ما فعل فيها ذلك اتفاقا (الأمكنة التي كان النبي (ص) يقصد الصلاة أو الدعاء عندها؛ فقصد الصلاة فيها أو الدعاء سنة اقتداء برسول الله (ص) واتباعا له، كما إذا تحرى الصلاة أو الدعاء في وقت من الأوقات، فإن قصد الصلاة أو الدعاء في ذلك الوقت سنة كسائر عباداته وسائر الأفعال التي فعلها على وجه التقرب، ومثل هذا ما خرجاه في «الصحيحين» عن يزيد بن أبي عبيد؛ قال: كان سلمة ابن الأكوع يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت له: يا أبا مسلم! أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة! قال: رأيت النبي (ص) يتحرى الصلاة عندها (1). وفي رواية لمسلم عن سلمة بن الأكوع: أنه كان يتحرى الصلاة موضع المصحف، يسبح فيه، وذكر أن رسول الله (ص) كان يتحرى ذلك المكان، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة (2).
وقد ظن بعض المصنفين أن هذا مما اختلف فيه، وليس بجيد؛ فإنه هنا أخبر أن النبي (ص) كان يتحرى البقعة؛ فكيف لا يكون هذا القصد مستحبا؟!
نعم، إيطان بقعة في المسجد لا يصلى إلا فيها منهي عنه كما جاءت به السنة، والإيطان ليس هو التحري من غير إيطان، فيجب الفرق بين اتباع النبي (ص) والاستنان به فيما فعله وبين ابتداع بدعة لم يسنها لأجل تعلقها به.
وقد تنازع العلماء فيما إذا فعل فعلا من المباحات لسبب وفعلناه نحن تشبها به مع انتفاء ذلك السبب؛ فمنهم من يستحب ذلك ومنهم من لا

(1) رواه البخاري في (الصلاة، باب الصلاة إلى الأسطوانة، 502).
(2) رواه مسلم في (كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة، 509).
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»