ولم أستطع المكوث في البقيع، بعد أن رأيت ما رأيت من آثار الظلم والجور على أهل البيت الذين أشادوا صرح الدين، وأعلوا كلمة الحق.. لم أستطع التأخير رغم تشوقي وتلهفي، وأي فرق بين أن أرى آثار الوهابيين في البقيع، وبين أن أرى ما فعل الأمويون والعباسيون بأهل البيت؟.. كل منهم أراد أن يشتفي وينتقم لنفسه من الحق والعدل، وانتهج سياسة الضغط وكبت الحريات، وأعلن الحرب على العقائد والمبادئ، وعلى كل شعيرة لها تأثيرها في نشر الحق والعدالة، والمساواة، وكراهية البغي والمحاباة.
وقد يظن أني أقول هذا بوصفي شيعيا موليا موتورا، يريد أن ينتقم لعقيدته وأئمته.. وقد يكون هذا الظن حقا، وقد يكون باطلا، ولكن الحق الذي لا يتطرق إليه الشك والريب أن الوهابيين اليوم كالأمويين والعباسيين بالأمس، يعيشون في الترف والنعيم، والناس حولهم جياع عراة، وما هو المبرر لهذا التفاضل والاستئثار؟
هل هو الشرف والعظمة التي يدعيها الجهلاء والسفهاء؟ فهؤلاء آل الرسول أشرف وأعظم الناس إطلاقا بعد جدهم، ومع ذلك قدروا أنفسهم بأفقر الناس، يشبعون يوما، يجوعون أياما، فكيف بالأدعياء؟.. إذن لا مبرر إلا الظلم والجور.. ولولا أهل البيت ومن سار بسيرتهم لم تتضح هذه الحقيقة، ولم يفتضح بسببها الدعي المستأثر، ومن هنا كانت إساءة التقي للشقي، والمحق للمبطل، والشريف للوضيع، والعالم للجاهل. وهذا