ولقد كتب يوما لزياد، واليه على الكوفة والبصرة يقول له:
(إنه لا ينبغي أن نسوس الناس بسياسة واحدة، فيكون مقامنا مقام رجل واحد..
ولكن تكون أنت للشدة والغلظة، وأكون أنا للرأفة والرحمة، فيستريح الناس بيننا)..!!
ولو أن معاوية - غفر الله له - كان أكثر اهتماما بسلطان الإسلام منه بسلطان بني أمية، لوفر على الإسلام وعلى المسلمين كثيرا من المخاطر والمهالك التي أفضى إليها حرصه على ذلك السلطان..
لقد جشمه ذاك الحرص من الشطط ما كان يعود عليه نفسه بالغرم الأكيد.
وإنا لنذكر - مثلا - تشجيعه النزعة القبلية بإيثاره في العطاء وفي المكانة بعض القبائل على بعضها الآخر، فهو يغدق على (اليمانية) ويميزهم في العطاء، ويجعل لهم كيانا عسكريا قائما بذاته.. ثم لا يلبث أمرهم أن يعلو ويتفاقم، حتى راحوا يمنون عليه بما هو فيه من سلطان، ويقولون: لولا نحن ما كان معاوية.. فيضطرب الأمر في يده ويعالج الموقف بخطأ جديد حين يتجه إلى قبائل (القيسية) فيغدق عليهم الأموال والامتيازات.. ثم لا يجديه ذلك شيئا، فيرهق نفسه في التوفيق بين القوتين الكبيرتين من جديد..
كذلك نرى أن الحلم الذي لم يعرف في التاريخ بمثل ما عرف به...
نرى هذا الحلم وهو أبرز خلائقه ومميزاته لا يغني عنه شيئا في درء صفة القسوة والقتل عن عصره وحكمه.. فمصرع (حجر بن عدي) وأصحابه بأمر معاوية وعلى مقربة من قصره بالشام بغير جريرة ولا ذنب، حدث يجلل سلطان معاوية بالسوء..