التحمت الجبهتان التحاما رهيبا.. ورأى جنود زياد كثرة القتلى الذين يسقطون منهم رغم كثرتهم الهائلة، فجن جنونهم، وهجم فرسانهم في ضراوة..
وبرز لهم فرسان (الحسين) الذين لم يكونوا أكثر من اثنين وثلاثين فارسا، فدمروا هجومهم تدميرا، وجاوزوا الدفاع إلى الهجوم في سرعة ما حقة، وأحاطوا بفرسان ابن زياد، ثم مرقوا داخل صفوفهم يطوحون برؤوسهم كالذباب!!
وسقط في يد قائدهم (عروة بن قيس) فنادى (عمر بن سعد) من فوق صهوة جواده، كي يدركه بالرماة!! وأمر (ابن سعد) جيشه فتقدم بأجمعه، يتقدمه خمسمائة من الرماة..
وكبر (الحسين) تكبيرة هزت الأرض ونادت زلزالها، وانقذف يضرب بسيفه، فكأنه قدر، لا راد لأمره.. ولا مهرب من حكمه!!
كان يشد كالليث على غريم فيصرعه.. ثم يبصر آخر في طريقه بسيفه الغادر إلى بعض أصحابه، فينثني إليه كالصقر ويرديه!!
وحل روحه الغلاب في أفئدة أصحابه، فاشتعل حماسهم، واتقد مضاؤهم وامتلأت أفئدتهم المؤمنة عزما وشوقا، وراحوا يضربون ويقاتلون، في استبسال عظيم.
كانوا كلما قل عددهم بوقوع الشهداء منهم، ازدادوا إقداما وقوة..
لكأنما كانت أرواح شهدائهم تستأنف بعد انطلاقها من أجسادها، نضالها وقتالها..!!!
لم يكن أصحاب (الحسين) يتعجلون النصر، فما أبعد النصر عن قوم يقاتلون في مثل ظروفهم وبمثل عددهم.
إنما كانوا يتعجلون الجنة، إذ لم يكن لديهم ريب في أنها المنتهى والمصير..!!