شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٤
من المقدمات والجواب أن الفلاسفة معترفون بانتفاء القوتين في المفلوج والذابل وثانيهما أن الحافظ يجوز أن يكون المزاج الخاص أو تعلق النفس بالبدن والجواب أن الكلام فيما يحفظ المزاج الخاص الذي به قوام الحياة في الحيوان الناطق وغيره وفيه نظر لأنهم لا يعنون بالنفس الجوهر المجرد بل مبدأ الحركات والأفاعيل المختلفة أو مبدأ الإدراك والتحريك الإرادي قال أما المدركة فالحواس الظاهرة والباطنة لأن الكلام في القوى التي يشترك فيها الإنسان وغيره من الحيوانات وأما القوة النطقية المدركة للكليات فستأتي في بحث النفس وكل منهما أي من قسمي القوة المدركة جنس أو بمنزلة الجنس لقوى خمسة كما أن المدركة جنس أو بمنزلة الجنس للقسمين وذلك ظاهر في الحواس الظاهرة لما أن كل أحد يجد من نفسه تلك الإدراكات ويعلقها بما يخصها من الآلات وأما الباطنة فتثبت بالبرهان كما سيأتي على التفصيل ثم لا جزم للعقل بامتناع حاسة سادسة من الظاهرة أو الباطنة إذ الممكن قد لا يوجد لانتفاء شرط من شرائط الوجود وما يقال أن الطبيعة لا تنتقل من درجة الحيوان إلى درجة فوقها إلا وقد استكملت جميع ما في تلك الدرجة فلو كان في الإمكان حس آخر لكان حاصلا للإنسان لأنه أعدل ما في هذا العالم ضعيف وكذا ما يقال إن الإدراك كمال للنفس وهي مستعدة لحصول الكمال ولا ضنة من جانب الواهب فلو أمكن وجود قوة أخرى إدراكية لكانت حاصلة للنفس ومنهم من زعم أن مدرك اللذة والألم حاسة أخرى غير العشر فإن من التذ أو تألم يجد من نفسه حالة إدراكية مغايرة لتعقل اللذة والألم وتحيلهما ويشبه أن تكون جميع الوجدانيات من الجوع والعطش والخوف والغضب وغيرهما بهذه المثابة فإنا نجد عند تحقق هذه المعاني حالة إدراكية مغايرة لحالة تعقلها بصورها الكلية أو تخيلها بصورها الجزئية والجواب أن اللذة مثلا من قبيل الإدراكات لأنها إدراك حسي أو عقلي ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير لا من قبيل المدركات ليطلب لها حاسة تدركها وفيه نظر وأما المحسوسات المشتركة مثل المقادير والأعداد والأوضاع والحركات والسكنات والأشكال والقرب والبعد والمماسة ونحو ذلك فليست كما يظن أن مدركها حس آخر بل إدراكها إنما هو بالحواس الظاهرة وإن كان بعضها قد يستعين بالبعض أو بضرب من القياس والتعقل قال أما الحواس الظاهرة فمنها اللمس هي قوة تأتي في الأعصاب إلى جميع الجلد وأكثر اللحم والغشاء من شأنها إدراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والخشونة والملاسة ونحو ذلك بأن ينفعل عنها العضو اللامس عند المماسة بحكم الاستقراء ولأنها لو أدركت البعيد أيضا لم يحصل التمييز بين ما يجب دفعه ومالا يجب فيفوت الغرض من خلق اللامسة أعني دفع الضارب وجلب النافع واللامسة للحيوان في محل الضرورة كالغاذية للنبات قال ابن سينا أول الحواس الذي يصير به الحيوان حيوانا هو اللمس فإنه كما أنه للنبات قوة
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»