اللمس قوى كثيرة تختص كل واحدة منها بمضادة فيكون ما يدرك به المضادة التي بين الثقيل والخفيف غير ما يدرك به المضادة التي بين الحار والبارد فإن هذه أفعال أولية للحس يجب أن يكون لكل جنس منها قوة خاصة إلا أن هذه القوى لما انتشرت في جميع الآلات بالسوية ظنت قوة واحدة كما لو كان اللمس والذوق منتشرين في البدن كله انتشارهما في اللسان لظن مبدؤهما قوة واحدة فلما تميزا عرف اختلافهما وليس يجب أن يكون لكل واحدة من هذه القوى آلة تخصها يجوز أن تكون آلة واحدة مشتركة لها ويجوز أن يكون هناك انقسام في الآلات غير محسوس ثم قال فإن قيل فالسمع أيضا يدرك المضادة التي بين الصوت الثقيل والحاد والتي بين الصوت الخافت والجهير وغير ذلك فلم لم تجعل قوى كثيرة فالجواب أن محسوسة الأول هو الصوت وهذه أعراض لها وتوابع بخلاف اللمس فإن كل واحدة من المتضادات تحس لذاتها لا بسبب الآخر ولما كان السؤال في الذوق المدرك للطعوم المتضادة ظاهر أجاب الإمام بأن الطعوم وإن كثرت فبينها مضادة واحدة بخلاف الملموسات فإن بين الحرارة والبرودة نوعا من التضاد غير النوع الذي بين الرطوبة واليبوسة والحكماء أوجبوا أن يكون الحاكم على كل نوع من أنواع التضاد قوة واحدة تسمى بالشعور والتمييز وأنت خبير بأن دعوى تنوع التضاد في الملموسات إن كانت من جهة أن تنوع المعروضات يوجب تنوع الإضافات العارضة فالكل سواء وإن كانت بالنظر إلى نفس التضاد العارض فلا يتم بدون برهان وتفرقة ومن سخيف الكلام ما قيل أن تباين الكيفيات الأول أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أشد من تباين الكيفيات الثواني الحادثة من تفاعلها كالروائح والألوان والطعوم فلذلك تعددت قوى اللمس دون باقي الحواس وههنا بحث آخر وهو أن المدرك بالحس هو المتضادات كالحرارة والبرودة دون التضاد فإنه من المعاني العقلية فكيف جعلوا مبنى تعدد اللامسة تعدد أنواع التضاد وجوزوا إدراك القوة الواحدة للمدركات المتضادة كالباصرة للسواد والبياض ولم يجعلوا ذلك أفعالا مختلفة من مبدأ واحد بالذات والاعتبار قال ومنها الذوق هو تال للمس في المنفعة بحيث يفعل ما به يتقوم البدن وهو تشهية الغذاء واختياره ويوافقه في الاحتياج إلى الملامسة ويفارقه في أن نفس الملامسة لا تؤدي الطعم كما أن نفس ملامسة الحار تؤدي الحرارة بل لا بد من توسط الرطوبة اللعابية المنبعثة من الآلة المسماة بالملعبة بشرط خلوها عن طعم والألم تؤد الطعم لصحة كما في بعض الأمراض واختلفوا في أن توسطها بأن يخالطها أجزاء ذي الطعم مخالطة ينتشر فيها ثم ينفذ فيغوص في اللسان حتى يخالط اللسان فيحسه أو بأن يستحيل نفس الرطوبة إلى كيفية المطعوم ويقبل الطعم منه من غير مخالطة فعلى الأول تكون الرطوبة واسطة تسهل وصول جوهر المحسوس الحامل للكيفية إلى الخاص ويكون الإحساس بملامسة
(١٦)