صدور هذه الأفعال المختلفة والتركيبات العجيبة الدالة على غاية القدرة والحكمة على قوة بسيطة ليس لها شعور أصلا مع أنها حالة في جسم متشابه الأجزاء أو متشابه الامتزاج على اختلاف الرأيين إذ عند أرسطو جزء المني كالكل في الاسم والحد من غير اختلاف في الحقيقة لكونه منفصلا عن الأنثيين فقط وعند بقراط أجزاء المني مختلفة بالحقائق متمايزة في نفس الأمر إذ يخرج من اللحم جزء شبيه به ومن العظم جزء شبيه به وكذا سائر الأعضاء غاية الأمر أنها غير متمايزة في الحس وهذا معنى تشابه الامتزاج ولكل من الفريقين احتجاجات مذكورة في موضعها فعلى الأول يلزم أن يكون الشكل الحادث من فعل المصورة في المني هو الكرة على ما هو شأن فعل القوة الغير الشاعرة في المادة المتشابهة وعلى الثاني يلزم أن يكون الحاصل كرات مصمونة بعضها إلى بعض وأن لا يبقى وضع الأعضاء وترتيبها على نسبة واحدة لكون المني رطوبة سيالة لا يحفظ الوضع والترتيب فإن قيل إنما يمتنع اختلاف آثار القوة العديمة الشعور في المادة الواحدة لو لم تفد القوة المفصلة فيها تمييزا أجزاء واختلاف مواد للأعضاء قلنا فيعود الكلام إلى القوة المفصلة فإن اعترفوا بأن القوى في مرتبة الوسائط والآلات لا الفواعل والمؤثرات والمؤثر إنما هو خالقها القادر المختار الفعال لما يشاء فقد اهتدوا ولم يبق سبيل إلى إثبات القوى والحاصل أن ما يدرك بعلم التشريح من الصور والكيفيات والأوضاع في بدن الإنسان يمتنع أن يجعل فعل القوة المصورة في مادة المني إما من جهة الفاعل فلكونه عديم الشعور وإما من جهة القابل فلكونه متشابها وقد يجاب عن الأول بأنه استبعاد وإنما يمتنع لو لم يكن ذلك بإذن خالقها بمعنى أنه خلقها لذلك وأوجدها كذلك وعن الثاني بأنه لو سلم بساطة القوة المصورة وتشابه أجزاء المني فلا خفاء في أنه من أجسام مختلفة الطبائع وحينئذ لا يلزم أن يكون الحيوان كرة أو كرات إذ لا يلزم أن يكون فعل القوة في المركب فعلها في واحد واحد من الأجزاء قال وأما الاعتراض قد يورد ههنا سؤال وهو أن الفلاسفة يجعلون المولدة والمصورة وغيرهما قوى للنفس وآلات لها والنفس حادثة بعد حدوث المزاج وتمام صور الأعضاء فالقول باستناد صور الأعضاء إلى المصورة قول بحدوث الآلة قبل ذي الآلة وفعلها بنفسها من غير مستعمل إياها وهو باطل وجوابه بعد تسليم أن النفس ليست بقديمة كما هو رأي بعض الفلاسفة ولا حادثة قبل حدوث البدن كما هو رأي بعض المليين أن ذلك إنما يرد لو جعلت المصورة من قوى النفس الناطقة للمولود وأما لو جعلت من قوى نفسه النباتية المغايرة بالذات لنفسه الناطقة كما هو رأي البعض أو من قوى النفس الناطقة للأم فلا إشكال إلا أن كلامهم مضطرب في ذلك على يشعر به اضطرابهم
(١٠)