بل بحسب العقل فلا يلزم إلا تحققه في العقل وقد يجاب عن الأول بأنه منقوض بالأعراض القائمة بالمحال كسواد الجسم فإن قيامه إما بالجسم الأسود فدور أو تسلسل واجتماع للمثلين أو اللاأسود فتناقض وهو ضعيف لأن قيامه بجسم أسود به لا بسواد قبله ليلزم محال وطريانه على محل لا أسود يصير حال طريانه أسود من غير تناقض ولا كذلك حال الوجود مع الماهية لأن الخصم يدعي أن تقدم المعروض على العارض بالوجود ضروري فلا يصح قيام الوجود بمحل موجود بهذا الوجود فلا محيص سوى المنع والاستناد بأن ذلك إنما هو في العروض الخارجي كسواد الجسم وهذا ليس كذلك وعن الثاني بأن الوجود ليس بموجود ولا معدوم وهو أيضا ضعيف لما سيأتي من نفي الواسطة قال فإن قلت يريد تحقيق مذاهب الشيخ وسائر المتكلمين والحكماء على وجه لا يخالف بديهة العقل فإن الظاهر من مذهب الشيخ أن مفهوم وجود الإنسان هو الحيوان الناطق مثلا ولفظ الوجود في العربية ولفظ هستى في الفارسية إلى غير ذلك من اللغات مشترك بين معان لا تكاد تتناهى من الموجودات ومن مذهب المتكلمين أن الوجود عرض قائم بالماهية قيام سائر الأعراض بمحالها ومن مذهب الحكماء أنه كذلك في الممكنات وفي الواجب معنى آخر غير مدرك للعقول وجميع ذلك ظاهر البطلان وذهب صاحب الصحايف إلى أن منشأ الاختلاف هو إطلاق لفظ الوجود على مفهوم الكون ومفهوم الذات فمن ذهب إلى أنه زائد على الماهية أراد به الكون ومن ذهب إلى أنه نفس الماهية أراد به الذات فعند تحرير المبحث يرتفع الاختلاف وهذا فاسد أما أولا فلأن احتجاج الفريقين صريح في أن النزاع في الوجود المقابل للعدم وهو معنى الكون وأما ثانيا فلأن مفهوم الذات أيضا معنى واحد مشترك بين الذوات واشتراك الوجود بين الوجودات من غير اشتراك لفظ وتعدد وضع وأما ثالثا فلأن القول بأن ذات الإنسان نفس ذاته وماهيته مما لا يتصور فيه فائدة فضلا عن أن يحتاج إلى الاحتجاج عليه فنقول أدلة القائلين بأن وجود الشيء زائد عليه لا يفيد سوى أن ليس المفهوم من وجود الشيء هو المفهوم من ذلك الشيء من غير دلالة على أنه عرض قائم به قيام العرض بالمحل فإن هذا مما لا يقبله العقل وإن وقع في كلام الإمام وغيره وأدلة القائلين بأن وجود الشيء نفس ذاته لا يفيد سوى أن ليس للشيء هوية ولعارضه المسمى بالوجود هوية أخرى قائمة بالأولى بحيث يجتمعان اجتماع البياض والجسم من غير دلالة على أن المفهوم من وجود الشيء هو المفهوم من ذلك الشيء فإن هذا بديهي البطلان فإذن لا يظهر من كلام الفريقين ولا يتصور من المنصف خلاف في أن الوجود زائد على الماهية ذهنا أي عند العقل وبحسب المفهوم والتصور بمعنى أن للعقل أن يلاحظ الوجود
(٧٠)