وركبت السفينة - مروان خليفات - الصفحة ٥٦٢
العفاة واصلة، وزموع المعروف بوجود وجوده عامرة آهلة، جرى من الوقار والسكون والطمأنينة والعفة والنزاهة والخمول في النباهة، على وتيرة نبوية وشنشنة علوية، ونفس زكية، وهمة عليه، ولا يقاربها أحد من الأنام، ولا يدانيها، وطريقة حسنة لا يشاركه فيها خلق، ولا يطمع فيها " (1).
وقال الشبلنجي: " ومناجاته (رضي الله عنه) كثيرة، قال في الصواعق: كان أبو الحسن العسكري وارث أبيه علما وسخاءا " (2).
بعث المتوكل العباسي يحيى بن هرثمة لجلب الإمام (عليه السلام). يقول يحيى: " فذهبت إلى المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما، ما سمع الناس مثله، خوفا على علي، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسنا إليهم، ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا، قال يحيى: فجعلت أسكنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله، فلم أجد إلا مصاحف وأدعية، وكتب العلم، فعظم في عيني " (3).
وسعي بالإمام الهادي إلى المتوكل مرة أخرى وهو في سامراء وقيل له: إن في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته، فوجه إليه من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه، وعليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف، متوجها إلى ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد فأخذ كل ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بن يديه، والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال له (عليه السلام): ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه

1 - الفصول المهمة: ص 270.
2 - نور الأبصار: ص 149.
3 - تذكرة الخواص: ص 202.
(٥٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 557 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 ... » »»