لا يتسع المقام هنا لعرضها. وقد صرحت هذه الأحاديث بأن الصحابة سيدخلون النار ولا يبقى منهم إلا القليل، كما يتضح لنا ذلك في تشبيههم بهمل النعم.
ويبدو لنا أن هذه الأحاديث أقلقت مضاجع أهل السنة، ففسروها بالمنافقين والمرتدين، ولكن هذا التفسير بعيد عن معطيات الأحاديث، ولا يصح، وذلك لأسباب نذكر منها:
أولا: إن المنافقين قليلون، لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليدين، عند أهل السنة، وهو يناقض قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الحوض: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) وهو قول يؤكد على نجاة القليل منهم، وفي رواية: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
(ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم)، فتأمل كلمة " أقواما "، ليسوا عشرة ولا مائة، إنما هم أقوام!
وحتى إذا فسرنا الحديث الشريف هذا بأنه يشير إلى المنافقين والمرتدين، فهو يعني أن كثيرا من الصحابة منافقون ومرتدون. وهذا ما ينطق به ما جاء في نص الحديث:
(فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)!! وكفى بقول الرسول حجة. فأين أهل السنة من هذه الحقيقة؟ وهل سيسلمون بها؟ إن التأويل غير مجد هنا، بل يوقع صاحبه في مطبات لا تحمد عقباها. فمن فسر الذين ورد ذكرهم في الحديث بالمنافقين والمرتدين، فهو كالذي اختبأ من المطر، ولكنه وقف تحت الميزاب!!
ثانيا: هناك أحاديث مفسرة لهذا الحديث بما لا يبقى معه مجال لتأويل الحديث بالشكل الذي يؤدي إلى غرضهم في الحفاظ على نزاهة الصحابة. والأحاديث يفسر بعضها بعضا.
روى البخاري بسنده عن العلاء بن المسيب عن أبيه، قال: لقيت البراء بن عازب (رضي الله عنهما)، فقلت: طوبى لك صحبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبايعته تحت الشجرة.
فقال: يا بن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده " (1)!!