الأوراق تحت الأرض لا يفيد، لإمكان الحصول عليها لاحقا، ولاحتمال بقاءها سالمة بعد زمن تحت الأرض، وهذا ما حصل بالفعل، إذ يقف الأثريون - عادة - في حفرياتهم على أمثال ذلك.
ومثله الحال بالنسبة إلى عدم محوه بالماء، لاحتمال أن يبقى فيه أثر من الكتابة، وهذا ما لا يريده الخليفة، فاتخذ أسلوب الحرق لكي لا تبقى جذور لتلك المرويات عند المسلمين.
وبنظرنا أن الخليفة لم يبد الأحاديث الخمسمائة الموجودة عنده فحسب، بل رسم منهجا يسير عليه الخلفاء وقسم من الصحابة من بعده، إذ قال الزهري: (كنا نكره التدوين حتى أكرهنا السلطان على ذلك) (1)، أي أن المنع والتدوين كلاهما كانا بيد السلطان، فالشيخان نهيا عنه فصار مكروها، والخليفة عمر بن عبد العزيز أمر به فصار محبذا، فترى الأمر يختلف عندهم بنسبة مائة وثمانين درجة من مكروه إلى محبذ لموقف السلطان!!
ونحن نترك النص الثاني دون أي شرح وتفسير، لقلة الوقت، مكتفين بالتعليق على ما قاله الذهبي بعد أن أتى بمرسلة ابن أبي مليكة، فقال: (إن مراد الصديق التثبت في الأخبار والتحري، لا سد باب الرواية) (2).
وهذا الكلام باطل، لأنا نعلم أن منهج المتثبت والمحتاط هو الإصلاح والسعي إلى الأمثل، لا الإبادة والفناء، والخليفة بعمله وضح أنه لا يريد التثبت والتحري، لأن الذي يريد تعمير عجلة ما لا يحق له إبادتها بدعوى