قوله (عليه السلام): " إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه " إنما يكون الوصف بعد الإدراك، وما يدرك به الإنسان إما الحس، وإما الخيال، وإما الوهم، وإما العقل، وكل واحد منها عاجز عن إدراكه لوجوه خاصة بكل واحد منها، ووجوه عامة لجميعها.
منها: أن الإدراك لا يتحقق إلا بإحاطة المدرك بما أدركه، وما لا حد له لا يمكن الإحاطة به، فلا يمكن إدراكه، وكل مدرك وما يدرك به مخلوق لله سبحانه {والله من ورائهم محيط} (1) بالإحاطة القيومية، {وهو معكم أين ما كنتم} (2) وبالإحاطة العلمية {أحاط بكل شئ علما} (3)، ولو أدركته الحواس والأوهام والعقول صار المحيط محاطا، وهو محال، سبحان من أظلم بظلمته كل نور (4).
قوله (عليه السلام): " نأى في قربه " لأنه قدوس عن الإدراك، وسبوح عما تتصف به الممكنات.
قوله (عليه السلام): " وقرب في نأيه " لأنه قيوم الأرضين والسماوات، والماديات، والمجردات، ولا أقرب من القيوم إلى ما يقوم به، (فمع قيموميته وعدم إدراكه وعدم نيل وصفه، ظهر وجه أنه " نأى في قربه وقرب في نأيه ".) وبعبارة أخرى: فقربه تعالى لأنه مشيئ كل شئ وقيومه، فهو أقرب إلى الشئ من نفسه، لأن شيئية الشئ وإنيته ونفسيته إنما هي بمشيته وقيوميته.
ونأى في قربه لبعده عن نيل الحس والخيال والوهم والعقل، ولقدسه عن