مقدمة في أصول الدين - الشيخ وحيد الخراساني - الصفحة ١٤٤
جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} (1).
دلت الآية على أن الإمامة لأجيال الناس مقام رباني عظيم، لم يبلغه نبي الله إبراهيم (عليه السلام) إلا بعد نجاحه في ابتلائه بكلمات، منها امتحانه بإلقائه في نار نمرود، ومنها اسكان زوجته وولده في واد غير ذي زرع، ومنها اختباره باستعداده لذبح ولده إسماعيل.
فبعد أن وصل إبراهيم إلى مراتب النبوة، والرسالة، والخلة، وبعد أن ابتلى بكلمات فأتمهن، قال له الله تعالى: {إني جاعلك للناس إماما}، وبسبب عظمة هذا المقام طلبه إبراهيم لذريته فأجابه الله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين}.
وعبر الله تعالى عن الإمامة ب‍ (عهد الله) الذي لا يناله إلا المعصوم، إذ لا شك أن إبراهيم لم يسأل الإمامة لجميع ذريته، فإنه لا يمكن أن يسأل خليل الله من العدل الحكيم الآمر بالعدل والإحسان الإمامة للمتلبس بالظلم والعصيان، فكان دعائه للعدول من ذريته، ولما كان طلبه عاما لمن هو عادل بالفعل وإن تلبس بالظلم في الماضي كان المقصود من الجواب عدم الاستجابة بالنسبة إلى هذا القسم من الذرية العدول، فدلت الآية الشريفة أن الإمامة المطلقة مشروطة - بحكم العقل والشرع - بالطهارة والعصمة المطلقة، فهيهات أن ينالها من عبد اللات والعزى، وأشرك بالله العظيم، وقد قال سبحانه: {إن الشرك لظلم عظيم} (2).
الآية الثالثة: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (3)، فقد عطف في الآية " أولي الأمر " على " الرسول "، ومع أن العطف في

(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»