(3) إن فطرة الإنسان تحكم بأن كل صاحب حق لابد أن يعطى حقه، وكل مظلوم لابد أن يؤخذ له من ظالمه.
وهذه الفطرة البشرية هي التي تدفع البشر في كل عصر - على مختلف أديانهم ومهما كانت أفكارهم ومعبوداتهم - إلى تشكيل أجهزة قضائية، ومحاكم لتحقيق العدالة.
ومن ناحية أخرى، نرى أن كثيرا من الظالمين والمجرمين يموتون دون أن يقتص منهم، ونرى مظلومين يموتون تحت سياط الظالمين ونيران اضطهادهم، لذا فإن حكمة الله تعالى وعدله وعزته ورحمته، تستوجب وجود حياة أخرى تؤخذ فيها حقوق المظلومين من الظالمين {و لا تحسبن الله غفلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} (1).
(4) حكمة الله تعالى تقتضي أن يهئ للإنسان وسيلة وصوله إلى ثمرة وجوده والغرض من خلقته، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يأمره بما يوجب سعادته، وينهاه عما يوجب شقاءه.
وتنفيذ الأوامر والنواهي الإلهية المخالفة لهوى الإنسان، لا يمكن إلا بوجود عاملي الخوف والرجاء في نفسه، وهما لا يتحققان إلا بالتبشير والإنذار، والتبشير والإنذار يستلزمان وجود ثواب وعقاب ونعيم وعذاب بعد هذه الدنيا، وإلا كانا تبشيرا وإنذارا كاذبين، والله تعالى منزه عن الكذب والقبيح.