ارتفاعهما من المسائل البديهية في الحكمة النظرية.
فهكذا الأمر في الحكمة العملية فمسائلها تنقسم إلى بديهية وغير بديهية، ويستنبط حكم الثانية من الأولى.
والتحسين والتقبيح من المسائل البديهية في الحكمة العملية، وقد حازتا على اهتمام واسع نظرا لدورهما في استنباط سائر مسائل الحكمة العملية.
ولأجل إيضاح المراد نقول: إن تحسين بعض الأفعال وتقبيحها من الأمور البديهية للعقل، ويدلك على ذلك اتفاق عامة العقلاء مع اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم على وصف أفعال بالحسن، وأفعال أخرى بالقبح، نظير:
أ: حسن العدل وقبح الظلم.
ب: حسن العمل بالميثاق وقبح نقضه.
ج: حسن جزاء الإحسان بالإحسان وقبح جزائه بالسيئ.
د: حسن الصدق وقبح الكذب.
ه: حسن أداء الأمانة وقبح الخيانة بها.
إلى غيرها من الأمور التي لا يختلف فيها اثنان، وهذا يدل على أن تلك الأفعال موصوفة بالحسن والقبح بالبداهة، وإلا لما اتفق عليه العقلاء كافة، ولذلك قلنا: إن التحسين والتقبيح أمران عقليان.
* الثاني: إنكار إدراك العقل يلازم النفي مطلقا لقد أنكرت الأشاعرة قابلية إدراك العقل حسن الأفعال وقبحها، وذهبوا إلى أن القضاء بالتحسين والتقبيح بيد الشرع، فكل ما أخبر بحسنه فهو حسن،