مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ١٤
وقبل أن نخوض في تفسير الآيات، نشير إلى مقدمة، وهي:
إن العدلية تصف الله سبحانه بالعدل بالمعنى المتفق عليه بين العقلاء، وبرهانها على ذلك هو أن العقل قادر على تمييز الحسن عن القبيح، والعدل عن الظلم، والله سبحانه بما أنه حكيم لا يجور أبدا، فهاهنا دعويان:
الأولى: أن العقل له القابلية على تمييز الحسن عن القبح، وأن التحسين والتقبيح من الأمور المنوطة بقضاء العقل.
الثانية: إذا تبين أن العدل حسن والظلم قبيح فالله سبحانه موصوف بالعدل، نزيه عن فعل الظلم. وإليك بيان كلا الدعويين.
أما الدعوى الأولى فتدل عليها أمور:
الأول: التحسين والتقبيح من الأمور البديهية إن التحسين والتقبيح من الأمور البديهية التي يدركها كل إنسان سليم الفطرة، فمثلا يدرك أن العمل بالميثاق حسن، والتخلف عنه قبيح، أو أن جزاء الإحسان بالإحسان جميل، وجزاءه بالسيئ قبيح. وهكذا سائر الأفعال التي توصف بالحسن والقبح.
وموضوع قضاء العقل بالحسن والقبح هو نفس الفعل بما هو هو، سواء أكان الفاعل واجبا أم ممكنا، خالقا أم مخلوقا، فيوصف الفعل من أي فاعل صدر بأحد الوصفين.
وبعبارة أخرى: كما أن مسائل الحكمة النظرية تنقسم إلى نظرية وبديهية، ويستنبط حكم الأولى من الثانية، ولذلك عدوا مسألة امتناع اجتماع النقيضين أو
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 11 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»