معذور بل مأجور " ولو خالف الكتاب ومن أنزل عليه. بل ولو كان رادا في اجتهاده المزعوم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم لما اتسعت دائرة الفتاوى، وتشعبت الآراء، وكثرت دعاوى الاجتهاد شعر أهل الحل والعقد بالخطر العظيم من ضياع الأحكام بكثرة الآراء المختلفة التي خلقتها الميول والسبل الملتوية في استنباط الأحكام وأوصد باب الاجتهاد على المسلمين المساكين، وحصر الاجتهاد في فقهاء معدودين. كأن بقية المسلمين قد مسخوا - على حد تعبير العلامة الجليل السيد محمد بن عقيل في بعض مؤلفاته - فلم يبلغ أحد منهم بزعمهم درجة الاجتهاد وملكة الاستنباط ولو بلغ مبلغ الشيخ الرازي أو الشيخ المفيد في العلم والفقه وأضرابهما من فطاحل العلماء وأكابر الفقهاء فهذا الإيصاد لباب الاجتهاد بعد أن اعتبر مفتوحا على مصراعيه تحكم لا مبرر له مع أن سد بابه وفتحه ليس بيد أحد لأنه ملكة تحصل بالجد والجهد في استنباط الأحكام.
وهذا التحكم في سد بابه وإن كان فيه شل للحركة العلمية وخلق مشاكل كثيرة دينية ولكن لعل لهم فيه غاية وهي توقيف اتساع الآراء الاجتهادية التي بلغت مبلغا ربما لا يمت بعضها إلى جوهر الدين وأحكامه بصلة قوية فتشكلت لأجل ذلك المذاهب الإسلامية، فحكم على أهل كل قطر بالرجوع إلى فقيه خاص لا يعدوه إلى غيره إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.