مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٧ - الصفحة ٧٩
والسياسة (1) و...
قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصره بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول: إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار (2).
بعد هذا لا غرابة في أن نقول: إن هناك اتجاها قد حدث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرع المواقف ويجعلها أصولا يسار عليها في الحياة بجنب الكتاب والسنة، وقد اتسع هذا الاتجاه شيئا فشيئا حتى وصل بالأمة إلى أن ترجح قول الخلفاء حتى على قول الله ورسوله، أو تخصيصهما بفعل الصحابي، بدعوى أنهم عرفوا ملاكات الأحكام وروح التشريع وما شابه ذلك.
والطريف في الأمر هو أن أنصار هذا الاتجاه وإن كانوا يتخذون مواقف الخلفاء أصولا في الحياة والتشريع، لكنهم في الوقت نفسه يسمحون لأنفسهم بترجيح رأي أحدهم على الآخر وإن كان بين الرأيين تباينا بينا، اعتقادا منهم بحجية فعل الجميع، أو أن كل هذه المواقف صحيحة، أو ما شاكل ذلك مما صرح به في كتب عقائد وفقه هذه الشريحة من المسلمين.
ولتحقيق ما قلنا من تأثر الخلفاء من أتباع الاجتهاد بالموروث القديم، وانعكاسه سلبا على الحديث النبوي وسنته الشريفة، كان لا بد لنا من استعراض في بعض الشواهد الشاخصة في هذا المجال، لمعرفة مدى قربها

(١) كما مر في كلام معاوية ويزيد آنفا.
(٢) مروج الذهب ٣ / ٨٦ ط الميمنية، وانظر: شرح نهج البلاغة ٢٠ / 147.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست