مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٧ - الصفحة ٢٥٣
ويزيد المحبين على ذلك أيضا بأن يجعل في موضع الذنوب التي تابوا عنها، وفي موضع ما تحمله عنهم حسنات، وهذا بخلاف غيرهم من جميع الناس، فإن الله يقتص لبعضهم من بعض، حتى من الكافر لمثله، بموجب قاعدة العدل، ولا يجعل لهم في موضع الذنوب التي تابوا عنها حسنات.
وهذه مزية لمحبي أهل البيت عظيمة، ومنزلة رفيعة اختصوا بها دون غيرهم، لمحبتهم لأهل البيت (عليهم السلام)، وحل الكلام على المعنى الذي تحصل فيه هذه المزية واضح الصحة، فلا معدل في الكلام عن التأويل المذكور.
الموضع الثالث:
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " فيقول للسيئات كوني حسنات " وظاهر هذا الكلام إنقلاب أعيان السيئات حسنات عينية، وهذا الظاهر مستلزم لانقلاب القبيح الذاتي حسنا، وهذا ظاهر الاستحالة والامتناع عقلا، لأن ما بالذات لا ينقلب إلى ما بالذات.
فيجب حينئذ تأويل الكلام بما لا يستلزم محالا وامتناعا، وذلك بأن يحمل كون السيئات حسنات على أن الله سبحانه وتعالى يمحو تلك السيئات من صحائف محبي أهل البيت (عليهم السلام)، ويثبت لهم في مواضعها من صحائفهم حسنات.
ويشير إلى هذا التأويل، بل يصرح به ما في كتاب البرهان عن تفسير شرف الدين النجفي عن صحيح مسلم، عن أبي ذر (رضي الله عنه) (1)، قال: قال

(١) الغفاري: اختلف في اسمه، قيل: جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار، وهو الأصح والمشهور، وقيل: بريد بن عبد الله، و: برير ابن جنادة، و: بريرة بن عشرقة، و: جندب بن عبد الله، و: جندب بن سكن.
صحابي جليل القدر، يعد من نجباء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن الأركان الأربعة، وقيل: كان خامس خمسة في الإسلام، وكان يفتي الناس في حكومة أبي بكر وعمر وعثمان.
وقيل: كان أبو ذر يتأله في الجاهلية، ويقول: لا إله إلا الله، ولا يعبد الأصنام، وهو الذي قال في حقه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر... ".
وقال ابن الأثير: قال علي (عليه السلام): " وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه ".
وقد لاقى من عثمان إبان حكمه ما لاقى، فقد ذكر الشيخ المفيد رواية قال فيها عثمان لأبي ذر: والله لا جمعتني وإياك دار، قد خرفت وذهب عقلك.. أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقته بغير وطاء، ثم أنخسوا به الناقة، وتعتعوه حتى توصلوه الربذة، فنزلوه بها من غير أنيس حتى يقضي الله فيه ما هو قاض.
فأخرجوه متعتعا ملهوزا بالعصي، فقضى نحبه فيها مظلوما مقهورا، فرحمة الله عليه ورضوانه.
عده البرقي والطوسي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام).
رجال البرقي: ١ و ٣، رجال الطوسي: ١٣ و ٣٦ رقم ١١ و ١، أمالي المفيد:
١٦٤، رجال الكشي: ٢٤ رقم ٤٨، طبقات ابن سعد ٤ / ٢٢٢، الإستيعاب ٤ / ١٦٥٢ رقم ٢٩٤٤، أسد الغابة ٥ / ٩٩ رقم ٥٨٦٢، تهذيب التهذيب ١٢ / 98 رقم 401.
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»
الفهرست