وأما الشبهة الثالثة: فنجيب عنها بأن " الذكر " في كلامه تعالى أعم من القرآن والسنة، ومعناه أن مراد الله هو حفظ شرعه ودينه سواء صدر هذا من القرآن أو السنة أو جاء في كلام المجتهدين - حسب ما تذهب إليه المصوبة - وذلك لإرجاع الله عباده للأخذ من العالمين بالشريعة، لقوله تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (1).
وقد رد ابن حزم على من زعم أن المراد بالذكر في الآية: القرآن وحده، فقال: " هذه دعوى كاذبة، مجردة عن البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل - إلى أن يقول: - والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه من قرآن وسنة ووحي يبين بها القرآن، وأيضا فإن الله تعالى يقول:
* (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * فصح أنه (عليه السلام) مأمور ببيان القرآن للناس، وفي القرآن مجمل كثير كتفاصيل الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمناه الله فيه بلفظه لكن ببيان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا كان بيانه (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه، فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، فإذا لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها... " (2).
وأما جوابنا عن الشبهة الرابعة فهو: لا يصح القول بأن رسول الله لم يأمر بكتابة حديثه، بل دللنا سابقا على أن السنة القولية والفعلية عند الرسول كانت التدوين، ثم إنا قد فندنا أدلة الناهين، وأكدنا على أن المنع جاء من الشيخين وليس له عين ولا أثر على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن غالب أدلة النهي تتفق مع تعاليل عمر بن الخطاب، وهي تؤكد بأن الخليفة