ظاهرة في أخبار أصحابنا بأن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن الأئمة (عليهم السلام) الذين قولهم حجة كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن القول فيه بالرأي لا يجوز " (1).
ويلاحظ هنا، أن الشيخ الطوسي (رضي الله عنه)، وإن سبق إلى هذا المنهج، أعني الابتعاد عن التفسير بالرأي والاعتماد على المأثور التفسيري دون غيره من مصادر التفسير الأخر، كما هو حال أغلب المفسرين من الفريقين، إلا أنه امتاز عن جميع من سبقه إلى ذلك بثلاث ميزات تكشف عن دور الشيخ في هذا الجانب، هي:
الأولى: إن حصر الاستدلال - في جانب الأثر - في تفسير التبيان، لم يكن مطلقا في أي أثر كالذي كان مألوفا عند من سبقه، وإنما كان مقتصرا على الأخبار المتواترة، والمشهورة، والمؤيدة بالإجماع، والمحتفة بقرائن قوية متصلة أو منفصلة، حالية أو مقالية تكشف عن صحة ما تضمنه الخبر تارة، وأخرى عن صحته في نفسه، وهو ما عبر عنه بالأثر الصحيح.
وأما خبر الواحد الذي كان اعتماده في التفسير شائعا، فلم يعتمد عليه الشيخ (رضي الله عنه) أصلا في تفسير التبيان، ولم يستدل به على نقض شئ أو إثباته، مصرحا في أكثر من مورد - ومنها ما في تفسير الآية السادسة من سورة الحجرات المباركة - بأنه لا يوجب العلم ولا العمل حتى وإن كان راويه عدلا، وأنه لا يجوز العمل به إلا بدليل (2).
وهذه الميزة لا تكاد تجدها في أي تفسير أثري قبل عصر الشيخ الطوسي (رحمه الله).