وصنف ثالث توسط بين الأمرين، واختص بجانب معين في التفسير وترك ما لا معرفة له به، كمن عني بالإعراب والتصريف، مثل الزجاج والفراء، أو استكثر من علم اللغة واشتقاق الألفاظ مثل المفضل بن سلمة، أو صرف همته إلى ما يتعلق بالمعاني الكلامية كأبي علي الجبائي، أو أدخل في التفسير ما لا يليق به من بسط فروع الفقه واختلاف الفقهاء مثل البلخي.
وصنف رابع سلك في تفسيره مسلكا جميلا مقتصدا فكان أحسن بكثير من غيره، إلا أنه أطال الخطب فيه وأورد فيه كثير مما لا يحتاج إليه مثل أبي مسلم محمد بن بحر الأصفهاني، وعلي بن عيسى الرماني (1).
وبهذا نستطيع القول بأن التبيان كان فتحا جديدا في عالم التفسير، إذ سلك الشيخ (رحمه الله) فيه مسلكا معتدلا، لا إفراط فيه ولا تفريط، مع مراعاة الروح العلمية المقارنة في التفسير.
وللأسف الشديد أن هذه الخصلة الطيبة والصفة الحميدة - صفة التفسير المقارن - لم يحتذ بها أحد من المفسرين بعد عصر الشيخ (رحمه الله) إلا الشيعة أنفسهم كما نجده واضحا عند الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان.
وبهذا يكون الشيخ الطوسي (رحمه الله) رائد علم التفسير المقارن في الإسلام بلا منازع، ولو لم يكن غير هذا الفتح في تفسيره لكفى به مؤشرا على دوره المميز في تاريخ التفسير.
وثمة أمور أخر في تفسير التبيان تكشف عن دور الشيخ (رحمه الله) في هذا الحقل، نوجزها بما يأتي: