لعل هذا الاضطراب هو الذي حمل الذهبي على تكذيب الخبر، فقال: فهذا لا يصح، والله أعلم (1).
فإذا لم يصح هذا، فلم يثبت عن أبي بكر غيره في شأن تدوين الحديث النبوي الشريف، إلا ما ورد في كتابته بعض كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتي ضمنها جملة من السنن، ككتاب فرائض الصدقة - الزكاة - الذي كتبه أبو بكر إلى عماله، فجعل أوله: (إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين، التي أمر الله عز وجل بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن سئل من المسلمين على وجهها فليعطها...) الكتاب (2).
فهذا يعني أن تدوين الحديث على أصل الإباحة، وهي مستفادة حتى من الحديث الأول على فرض صحته، فمبادرة أبي بكر بجمع الحديث وتدوينه في كتاب دليل على أنه لم يعرف فيه إلا الإباحة، ثم لما حرقه لم يكن حرقه لورود النهي عن كتابة الحديث، وإنما لخشية تطرق الوهم إليه!
ومضى الأمر على هذه الحال حتى جاء عمر، فأراد أن يكتب السنن، فاستفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبها، ثم بدا له أن لا يكتبها.. ثم بعث إلى الأمصار: من كان عنده شئ فليمحه! (3).
وحدث مالك بن أنس: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب هذه الأحاديث، أو كتبها، ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله! (4).