ولقد كان هذا ظاهرا في فقه عمر أكثر ما يكون، وربما ظهر منه ذلك حتى بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم! كالذي كان يوم الخميس، قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنبي يقول: (إيتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي) فيصيح عمر بالحاضرين: (ما له؟! أهجر؟! حسبنا كتاب الله!)! وما زال يمنع منها حتى كثر التنازع فغضب النبي وأخرجهم من عنده.
فعل هذا عمر حين قدر ما كان النبي يضمره، وقدر أن ذلك سوف لا يحقق المصلحة، وأن المصلحة في خلافه! هذا ما قاله هو في تفسير موقفه (1).
إذن رأى لنفسه الحق في الوقوف أمام النبي وأمره! حين رأى أنه كان أقدر من النبي على تشخيص المصلحة وإصدار الأحكام المناسبة!
ولو جاز ذلك التصور، في منطق ما، وكان الذي قدره عمر هو الأوفق بالمصلحة، لكانت تلك هي المصلحة العاجلة الظاهرة له، دون المصلحة الحقيقية التي كره عمر بواكيرها.
وماذا لو كره نفر من قريش ما أراده النبي اليوم لحفظ الدين وصونه؟!
ألم يكن ذلك النفر قد كره دعوة النبي في أيامها الأولى، ثم صار بعد يقاتل دونها؟!
ألم يكن منهم من كره النبي ودعوته وأفنى خيله ورجله في محاربتها حتى أسقط في يديه يوم دخلت عليه جيوش النبي مكة؟!