مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٧ - الصفحة ١٣٣
لينظر كل من أصحاب المذاهب الأربعة إلى شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنظر بعضهم إلى بعض. أي: فكما يرى الشافعية أن مذهب الحنفية مذهب من مذاهب المسلمين، ويرى الحنفية المالكية كذلك... وهكذا...
فلينظروا إلى مذهب شيعة آل محمد كذلك، فإذا نظروا إليهم بهذه النظرة، وكانت المذاهب كلها من دين الإسلام، اجتمع شمل المسلمين وانتظم عقد اجتماعهم، لأنه حين يرى شيعة آل محمد أن أرباب المذاهب الأربعة ينظرون إليهم كنظر بعضهم إلى بعض، فإنهم أيضا سينظرون إليهم تلك النظرة.
وقد أوضح السيد - رحمه الله - مقصوده من (النظر) في عباراته اللاحقة فقال فيها: (فإذا جاز أن تكون المذاهب أربعة، فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة؟!).
وتلخص: أن تحقق (المهمة) ليس موقوفا على عدول أحد الجانبين إلى الآخر، بل يكفي لتحققها قبول أهل السنة لأن تكون المذاهب الخمسة.
وحينئذ، فلو تباحث في هذا الظرف شيعي وسني على أصل من الأصول، أو فرع من الفروع، فاقتنع أحدهم بما يقوله الآخر وانتقل إلى مذهبه، كان كانتقال الحنفي إلى الشافعية أو بالعكس، وهكذا... وما أكثره في تراجم الرجال وكتب السير (53).

(٥٣) ومن أطرف ما رأيته في الباب ما ذكره الذهبي، وأنقله بنصه:
(محمد بن حمد بن خلف أبو بكر البندنيجي حنفش، الفقيه، تحنبل ثم تحنف ثم تشفع.
فلذا لقب حنفش.
ولد سنة ٤٥٣ وسمع الصيريفيني وابن النقور وأبا علي بن البناء، وتلا عليه.
وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وابن سكينة.
قال أحمد بن صالح الختلي: كان يتهاون بالشرائع، ويعطل، ويستخف بالحديث وأهله ويلعنهم.
وقال السمعاني: كان يخل بالصلوات.
توفي سنة ٥٣٨) ميزان الاعتدال ٣ / ٥٢٨.
أقول: كأن هذا الفقيه!! علم أنه لن يفلح بالعمل بمذهب ابن حنبل فالتجأ إلى مذهب أبي حنيفة، ثم إلى مذهب الشافعي، فلم ير شيئا من هذه المذاهب بمبرئ للذمة، ولم يجد فيها ضالته، وهو يحسب أن لا مذهب واها! فخرج عن الدين وضل!!
أما التهاون والإخلال بالصلوات... فهو موجود في أئمتهم في الفقه والحديث... نكتفي بذكر واحد منهم، وهو: الشيخ زاهر بن طاهر النيسابوري الشحامي المستملي - المتوفى سنة ٥٣٣ ه‍ - الموصوف في كلمات القوم بالشيخ العالم، المحدث، المفيد، المعمر، مسند خراسان!! الشاهد! العمدة في مجلس الحكم!! والذي حدث عنه - في خلق كثير - غير واحد من أئمتهم كأبي موسى المديني، والسمعاني، وابن عساكر... فقد ذكروا بترجمته أنه كان يخل بالصلاة إخلالا ظاهرا، حتى أن أخاه منعه من الخروج إلى أصبهان لئلا يفتضح، لكنه سافر إلى هناك وظهر الأمر كما قال أخوه، وعرف أهل أصبهان ذلك، فترك الرواية عنه غير واحد من الحفاظ تورعا، وكابر وتجاسر آخرون كما قال الذهبي.
ومن هنا ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٢ / ٦٤، بل أدرجه في الضعفاء ١ / ٢٣٦، وابن حجر في لسان الميزان ٢ / ٤٧٠، وراجع ترجمته أيضا في سير أعلام النبلاء ٢٠ / 9، والعبر 2 / 445.
وقال الذهبي بترجمة أخيه المشار إليه: (أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي، أخو زاهر... كان خيرا متواضعا متعبدا لا كأخيه).
وهل ينفعه - بعد شهادة السمعاني والذهبي وغيرهم - الاعتذار له بشئ من المعاذير؟!
ولو شئت أن أذكر المزيد لذكرت!!.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست