مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢٦ - الصفحة ١٧٤
" منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم، ما تنظرون بنصركم ربكم؟! أما دين يجمعكم ولا حمية تحمشكم؟! أقوم فيكم مستصرخا، وأناديكم متغوثا، فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا...
فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم مرام ".
فهكذا إذن بدأ هذا الرجل الذي يحمل على كتفيه ثقل هذه المرحلة التاريخية الصعبة، يدرك أنه يحارب في معركة خاسرة. وأن القدر اختاره ليكون الشاهد عليها وعلى الإنسانية المغلوبة على أمرها، الطامحة أبدا إلى تجاوز واقعها وتثبيت ميزان العدل وفي ضوء هذا الإدراك السامي نفهم فهما ممتازا مثل قولته في (النهج):
" أما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أهون من عفطة عنز ".
وما العدل، إن لم يكن، في معانيه المتسعة، لباب الدين والسياسة والاجتماع؟!
ومن يبينه وينهض له إلا الذين استعلوا على شهوات أنفسهم؟! وهل العدل في النفس إلا تثبيتها على جادة الحق؟! وهل يقوم للانسان معنى بغير العدل والمجاهدة فيه؟! وهل يكون للحياة وللوجود معنى بغير العدل الذي هو أساس توازنهما؟! وكيف يقوم العدل إلا بالإرادة التي هي لب العقل؟!
فتطهير النفوس، في آخر الأمر، يعني تهيئتها، لتقيم هي مجتمع العدل. ولست أجد في كتاب (النهج) معنى يتصل بسياسة الناس في أنفسهم وأموالهم وأهليهم ومن يكرهون ومن يحبون إلا والعدل أساسه:
" اعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ ".
" والله لو أعطيت الأقاليم السبعة، بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت... نعوذ بالله من سبات العقل وقبح
(١٧٤)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست