مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢٤ - الصفحة ٥٨
في شرح الكلمة ومناسبتها للمقام:
قال ابن حجر: (إن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك هو أن لا يتشاءم الناس به، وقد صرحت هي فيما بعد بذلك. وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال:
إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن) (150).
قلت: لكنه كلام بارد، وتأويل فاسد.
أما أولا: ففيه اعتراف بأن قول عائشة: (إن أبا بكر رجل أسيف فمر عمر أن يصلي بالناس) مخالفة للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم، ورد عليه منها، بحيث لم يتحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال هذا الكلام.
وأما ثانيا: فلأنه لا يتناسب مع فصاحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحكمته، إذ لم يكن صلى الله عليه وآله وسلم يشبه الشئ بخلافه ويمثله بضده، وإنما كان يضع المثل في موضعه... ولا ريب أن صويحبات يوسف إنما عصين الله بأن أرادت كل واحدة منهن من يوسف ما أرادته الأخرى وفتنت به كما فتنت به صاحبتها، فلو كانت عائشة قد دفعت النبي عن أبيها ولم ترد شرف ذلك المقام الجليل له، ولم تفتتن بمحبة الرئاسة وعلو المقام، لكان النبي في تشبيهها بصويحبات يوسف قد وضع المثل في غير موضعه، وهو أجل من ذلك، فإنه نقص... وحينئذ يثبت أن ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان لمخالفة المرأة وتقديمها بالأمر - بغير إذن منه صلى الله عليه وآله وسلم - لأبيها، لأنها مفتونة بمحبة الاستطاعة والرغبة في تحصيل الفضيلة واختصاصها وأهلها بالمناقب كما قدمناه في بيان طرف من أحوالها.
وأما ثالثا: فقد جاء في بعض الأخبار أنه لما قالت عائشة: (إنه رجل رقيق فمر عمر) لم يجبها بتلك الكلمة بل قال: (مروا عمر) (151) ومنه يظهر أن السبب

(١٥٠) فتح الباري ٢ / ١٢٠.
(١٥١) تاريخ الطبري ٢ / 439.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست