باب القول على الحروف المفردة الدالة على المعنى فأما الحروف التي في كتاب الله جل ثناؤه فواتح سور، فقال قوم: كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسماء الله: فالألف من اسمه: الله، واللام من: لطيف، والميم من مجيد، فالألف من آلائه، واللام من لطفه، والميم من مجده. يروى ذا عن ابن عباس، وهو وجه جيد وله في كلام العرب شاهد، وهو:
قلنا لها قفي فقالت: قاف (33) كذا ينشد هذا الشطر، فعبر عن قولها وقفت، بقاف.
وقال آخرون، إن الله جل ثناؤه أقسم بهذه الحروف أن هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله، هو الكتاب الذي أنزله الله جل ثناؤه، لا شك فيه.
وهذا وجه جيد، لأن الله عز وجل دل على جلالة قدر هذه الحروف إذ كانت مادة البيان ومباني كتب الله عز وجل المنزلة باللغات المختلفة، وهي أصول كلام الأمم، بها يتعارفون، وبها يذكرون الله جل ثناؤه. وقد أقسم الله جل ثناؤه، بالفجر والطور، وغير ذلك، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها.
وقال قوم: هذه الأحرف من التسعة وعشرين حرفا، دارت به الألسنة فليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه عز وجل. وليس منها حرف إلا وهو في آلائه وبلائه، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم. فالألف سنة، واللام ثلاثون سنة، والميم أربعون. رواه عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع ابن أنس. وهو قول حسن لطيف، لأن الله جل ثناؤه، أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله والفرقان فلم يدع نظما عجيبا، ولا علما نافعا إلا أودعه إياه، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله. فليس منكرا أن ينزل الله جل ثناؤه هذه الحروف مشتملة مع إيجازها على ما قاله هؤلاء.
وقول آخر روي عن ابن عباس في (ألم): أنا الله أعلم. وفي (ألمص) أنا الله أعلم وأفصل. وهذا وجه يقرب مما مضى ذكره من دلالة الحرف الواحد على الاسم