ولمفصل الحزم مطبقا، فيكون على جلية الرأي ومفرقه، ووضح الأمر وفلقه، فيما يأتي ويذر، ويقدم ويؤخر.
ولما تواترت إلي البشائر بعوده إلى وطنه مكنوفا بالسلامة، محفوفا بالسعادة، ومقذيا به كل ناظر طمح إلى عثرته، ومجدوعا به كل مارن (5) شمخ بعد مفارقته، وكان المتخطون في سعيه، والمنحازون إلى وده، بين مسرة مما أعلى الله من نعمته، ومكن من يده وقدمه، وبين غمة بالحال التي أخرجته من الاستزادة، من الثقل الباهر (6) والعبء الفادح، الذي ربما أصحر بحمله، وآد (7) الناهضين حمله، إلا أنا فإن سروري من بينهم كان صرفا غير ممزوج، وخالصا غير ممذوق، ثقة بأن الله تعالى قد أجاب فيه الدعوة التي دعوتها، والرغبة التي رفعتها، إذ كانت مشروطة بالخيرة في الأمرين معا، ومعلقة بالصلاح في الوجهين جميعا.
فلما أنعم الله سبحانه بتسهيل أحدهما مسببا أبوابه، ومسهلا صعابه، علمت أن فيه الصلاح النير، والرشاد المقمر، وأن سلامة الموارد والمطالع واعدة بسلامة المصادر والمراجع، فسكنت نفسي واثقة بحميد الخواتم وجميل العواقب، وراجية أن يكون رذاذ هذه النعمة قطرا، وشرارها جمرا، وبدو غراسها جنا وثمرا، إن شاء الله.
وكيف لا يكون ذلك ونعمته - أدام الله عزه - آمنة غير مروعة، وسالمة غير منازعة، لأنه قد خصها بالفعل الجميل وأسقط عنها تبعات المنازعين، ومهد لإعجازها قبل هواديها (8)، ونظر لعواقبها قبل بواديها، فأصبحت مطنبة بأسباب (9) متينة، ومستلئمة بدرع حصينة، ولا طريق عليها لحادث، ولا حجة في ثلمها لنابث (10) ولا طارق، فهي مستقرة غير قلقة، ومقيمة غير مفارقة، والزوائد مرجوة لها، والنقائص مأمونة عليها.
فإن رأى - أدام الله تأييده - أن يتأمل ما كتبت به، ويجعل الجواب منه مفصلا لا