(1) رسالة الشريف الرضي إلى أبي القاسم سليمان بن أحمد، وهي:
كتابي - أطال الله بقاء الأستاذ - عن سلامة ألبسه الله نطاقها، وضرب عليها رواقها، وما بيننا من علائق الإخاء وغرائس الصفاء، يجدد جدة وعنفوانا، وغضارة وريعانا، فلا تخشى الفوادح على عوده، ولا النكائث على عهوده، وقد علم الله - سبحانه - من قلق الجأش، وعظيم الاستيحاش، ولما جرت به الأقدار من ذلك الحادث الذي استرط (1) فيه نفسه، وأخطر مهجته، وركب له كاهل الغرر، وأم الخوف والحذر، إلى أن أجلي عن مراده، وانجلى بعد سواده، وأعاده الله - سبحانه - إلى وطنه إعادة النصل إلى غمده، بعد ما أبلى في الضراب، وأثر في الجماجم والرقاب، ورده رد السهم إلى كنانته، بعد ما اهتز في الغرض المطلوب، وانتظم (2) حبات القلوب.
والحمد لله، على ذلك يخرج إلى النعمة من حقها، ويعين على حمل أوقها (3) ويكون أمانا من خوف النقيصة، وسببا لمأمول الزيادة.
ولم أخل في أثناء بعده - أدام الله عزه - على الحال التي أخلت بأنسي وبلغت من نفسي، لمواصلة المكاتبة إلى من يختص بوده، ويتألم لبعده مستطلعا منه درر أخباره، ومتفرد آرائه، ومكلفا له مكاتبته إلى مستقره، بذكر ما أنا عليه من لواعج الاشتياق وزوابع الاشفاق، والدعاء بأن يجعله الله سبحانه في ذمام وقايته، وضمان كفايته، وأن يحرسه حراسة الناظر بجفونه، والقلب بحيزومه، وأن يخير له فيما يقدم عليه رأيه، ويجري عليه عزمه، من معاودة المركب الذي انتقل عنه، ولزوم المقعد الذي انتقل إليه خيرة تدله من مضان (4) الخطب بصوابها، وتقدح في ظلام النوائب بشهابها، وتجلو له من وجوه الآراء أوضحها، وتصحبه من مقاود العزائم أسمحها، حتى يكون من عقال الحيرة مطلقا،