مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤ - الصفحة ٢٠١
عرفته قبل عشرات السنين، وتوثقت الصلة بيننا بمرور الأيام، وظلت الروابط الودية تشدنا إلى البعض، حتى قعد المرض بكل منا فأجلسه في زاوية داره، وسبقنا أخيرا إلى لقاء الله، وها نحن بانتظار أمره تعالى فقد استأثرت رحمته بإخوان الصفا وخلان الوفاء تباعا، وأوحشنا فراقهم، وها هي نذر الفناء ورسل الموت تترى علينا، فنسأله تعالى (أن يجعل خير عمرنا آخره وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاه فيه).
قضى المترجم له عمره الشريف في خدمة الدين والعلم، ووقف نفسه لخدمتهما، حتى أواخر أيامه، وجاهد في سبيل الله طويلا بقلمه ولسانه، وأسهم في مختلف ميادين الخدمة ومجالات الاصلاح، فقد قاوم حملات التبشير بعنف وحماس، وكتب عشرات المقالات في مجلات البلاد الإسلامية، ودعا إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام بما أوتي من حول وطول، وذب عنهم ونقد خصومهم وحارب أعداءهم بلا هوادة، وصرف جهودا بالغة في نشر فضائلهم والإسهام في إقامة شعائرهم، والإشادة بذكرهم على الملاء، واهتم بآثار السلف ومآثرهم اهتماما كبيرا، فعني بمؤلفاتهم المخطوطة ولا سيما القديمة والنادرة، فنسخ منها عددا لا يستهان به، وأعان على نشر كثير منها بمختلف السبل، باذلا غاية جهده، وأعان المخلصين والناشرين في هذا المجال معونات جمة (4)، ولم يترك بابا من أبواب الخدمة والجهاد التي يمكنه الوصول إلى هدفه منها إلا ولجه.
وله أياد بيضاء في خدمة جماعة من المؤلفين في النجف وغيرها، فقد ساعد الكثيرين خلال الأعوام المتمادية ومدهم بمعلومات وافية وموضوعات طويلة مما يخص بحوثهم، دون أن ينتظر منهم جزاء أو شكورا، بل غرضه من ذلك خدمة العلم للعلم والأدب للأدب، ولذلك لم تظهر له آثار تتناسب ومقامه الرفيع وضخامة علمه (5).
هكذا حفلت حياة الشيخ الجليل بأعمال الخير، واستنفذت جهده الباقيات الصالحات، حتى وهت قواه وأصيب بالشلل فانزوى في داره في السنوات الأخيرة، وكان لا يخرج إلا نادرا وبصعوبة إلا أنه لم يفتر عن العمل، فقد بدأ في تلك العزلة بتأليف تفسير القرآن الكريم وكان يميله على سبطه وأنهى جزءه الأول.
وأدركه الأجل في النجف في ليلة الأحد 1 صفر سنة 1380 هجرية وشيع تشييعا يليق بمكانته وخدماته، ودفن في الحجرة الرابعة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف من باب السوق الكبير، وهي التي دفن فيها الشيخ ميرزا علي الإيرواني، والشيخ محمد كاظم الشيرازي، والد المترجم له، وغيرهم من الأعلام.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست