بعد كتابه المسمى (بالنهاية) الذي كتبه على النمط الأول من التأليف، قال في مقدمة (المبسوط): كنت عملت على قديم الوقت كتاب (النهاية)، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصولها من المسائل، وفر قوه في كتبهم، ورتبته ترتيب الفقه، وجمعت فيه النظائر... ولم أتعرض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب، و ترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة، حتى لا يستوحشوا من ذلك وعملت بآخره مختصر جمل العقود، وفي العبارات سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار، وعقود الأبواب في ما يتعلق بالعبادات، ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصة، يضاف إلى كتاب (النهاية)، ويجمع مع ما يكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج إليه.
ثم رأيت أن ذلك يكون مبتورا يصعب فهمه على الناظر فيه، لأن الفرع إنما يفهمه إذا ضبط الأصل معه، فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصلوها الفقهاء، وهي نحو من ثلاثين كتابا، أذكر كل كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الألفاظ، واقتصرت على مجرد الفقه دون الأدعية والآداب، وأعقد فيه الأبواب وأقسم فيه المسائل، وأجمع بين النظائر وأستوفيه غاية الاستيفاء، وأذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون (1).
وقد لخصنا عبارة الشيخ في مقدمته، وقد أوضح فيها طريقته الحديثة، التي اجتمعت فيه مزية التفريع والتكثير، والإجابة على الحاجات الجديدة، وبيان أحكام الحوادث مع عدم الخروج عن حدود الكتاب والسنة، بل الرجوع إليهما في جميع الأبواب. وقد نال هذا الكتاب القيم رواجا خاصا، وهو أحد الكتب النفيسة للشيعة الإمامية في الفقه، وقد طبع في ثمانية أجزاء.
كما أن للشيخ الطوسي كتابا آخر وهو كتاب (الخلاف)، سلك فيه مسلك الفقه المقارن.
والحق أن شيخ الطائفة قد أوتي موهبة عظيمة وفائقة، فخدم الفقه الاسلامي بألوان الخدمة، فتارة كتب كتاب (النهاية) على طريقة (الفقه المنصوص) أو (المسائل المتلقاة)، كما كتب (المبسوط) على نهج الفقه التفريعي، وأثبت أن الشيعة مع نفيهم للقياس والاستحسان قادرون على تفريع الفروع، وتكثير المسائل، وتبيين أحكامها من الكتاب