في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٩٧
وقال أبو موسى: كنت عند النبي وهو نازل بالجعرانة - بين مكة والمدينة - ومعه بلال، فأتى النبي أعرابي، فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: أبشر. فقال: قد أكثرت علي من أبشر. فأقبل صلى الله عليه وآله وسلم على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال: إن هذا قد رد البشرى، فأقبلا أنتما قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه ومج فيه، ثم قال: " إشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا ".
فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة (1).
ثم إن تبرك الصحابة لم يقتصر على ذلك، بل كانوا يتبركون بماء أدخل فيه يده المباركة، وبماء من الآبار التي شرب منها، وبشعره، وعرقه، وظفره، والقدح الذي شرب منه، وموضع فمه، ومنبره، والدنانير التي أعطاها، وقبره، وجرت عادتهم على الاستشفاء به، ووضع الخد عليه والبكاء عنده.
بل كان الصحابة والتابعون يتبركون بعصاه وملابسه وخاتمه ولباسه، والأماكن التي صلى بها، أو مشى عليها، وآثار مشي أقدامه إلى غير ذلك مما هو مبثوث في ثنايا كتب السيرة والتاريخ، وقد جمع نصوصها ومصادرها العلامة الأحمدي في كتاب " التبرك " فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إليه.

(١) صحيح مسلم ج ٤، باب فضائل أبي موسى: ١٩٤٣، وفتح الباري ١: ٢٥٦.
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»