وعلى ضوء ذلك بطل تقسيم التوحيد إلى الربوبية بمعنى الخالقية والألوهية بمعنى العبادة والأولى أن يعبر عن كل واحد بنفس ما عبرنا به.
إذا اتضح هذا فلنعمد إلى تبيين حقيقة العبادة.
ما هي حقيقة العبادة؟
وهذه هي الجهة التي عقدنا هذا الفصل لتحليلها وبيانها، ولو أن أحدا ضل في هذا المقام فإنما ضل لأجل عدم تحديد حقيقة العبادة، ومفومها.
فماذا تعني العبادة، وما هي حقيقتها؟
هل العبادة بمعنى الخضوع أو منتهى الخضوع؟
إن مقوم حقيقة العبادة ليس هو الخضوع المطلق، بل ولا حتى الخضوع البالغ نهايته، وذلك لأن الخضوع بهذا الحد (وهو السجود) قد فعله الملائكة أمام آدم - عليه السلام كما فعله يعقوب - عليه السلام وأولاده أمام ابنه يوسف - عليه السلام، ولم يكن مع ذلك عبادة.
قال سبحانه مخبرا عن هذين الحادثين: * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر) * (1).
وقال تعالى: * (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) * (2).