في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٣٥
هذه هي ملاكات العبادة وهذا مفهومها في ضوء آيات القرآن الكريم فالعبادة هو الخضوع والتذلل أمام أحد - غير الله - أو طلب شئ منه باعتقاد أنه إله أو رب أو مستقل في تنفيذ الحاجة، وهي صفات تختص بالله، ولا شك أن خضوعا وطلبا كهذا يكون عبادة، وعملا متسما بالشرك، لأنه صير المخلوق مساويا لله سبحانه في مجالي العقيدة والعمل، فأعطاه من الصفات ما ليس له وأعطاه من الخضوع والطلب ما يختص بالله سبحانه.
وبذلك يتضح أنه لا يتصف أي عمل وفعل بالعبادة إلا إذا كان العامل معتقدا بألوهية من أتى بالعمل لأجله أو بربوبيته.
وإن شئت قلت: إنه لا يكون أي خضوع لفظي أو عملي متسما بسمة العبادة إلا إذا كان الخاضع معتقدا بأن المخضوع له هو الإله الكبير، أو الإله الصغير (كما في الأوثان والأصنام حسب عقيدة المشركين) أو اعتقد بربوبيته وأنه مدبر الكون كله أو بعضه وبيده شؤون الإنسان كله أو بعضه ولا أقل بيده مغفرة الذنوب والشفاعة، والإدخال في الجنة والنار.
كما أنه إذا طلب شيئا من إنسان أو ملك لا يعد طلبه وسؤاله واستغاثته عبادة للمسؤول إلا إذا اعتقد أنه يضر وينفع، وينقض ويبرم باستقلاله من دون استئذان من الله سبحانه، على وجه فوض إليه شأن ذلك العمل.
وأما إذا خلا الخضوع والسؤال من هذه العناصر ولم يكن المخضوع له عند الخاضع إلها أو ربا، ولا المسؤول قائما بشئ من عند نفسه، بل كانا في نظره وعقيدته من عباد الله الصالحين، يرجى استجابة دعائهما وقضاء حاجته
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»