دراسات في العقيدة الإسلامية - محمد جعفر شمس الدين - الصفحة ١٠٥
فهنا، وإن كان العالم قد أجرى تجاربه على عدد محدود من قطع الحديد، إلا أنه لما كانت هذه القطع التي أجرى تجاربه عليها، تشابه كل القطع الأخرى الموجودة في العالم من الحديد، كان لا بد من أن تثبت لها نفس الآثار التي من جملتها التمدد بالحرارة.
ولولا هذا القانون، لما أمكن لأي عالم أن يضع قانونا عاما. ومعنى ذلك القضاء المبرم على جميع العلوم الطبيعية.
إذا تبين هذا، تتبين استحالة أن تكون العلة المادية للعالم، هي نفسها العلة الفاعلية له.
وذلك، لأنه على ضوء ما ذكرناه في النقطة الثانية، اتضح أن العلة المادية للعالم، حقيقة عامة وواحدة، وهي عبارة عن العناصر البسيطة المائة أو أكثر بقليل، مع كون العالم متنوع المظاهر، ومختلف الكيفيات، ومتباين الحركات، فلو كانت العلة المادية - التي هي حسب الفرض حقيقة واحدة - نفسها العلة الفاعلية للعالم على اختلاف مظاهره، وتعدد أشكاله، وتباين حركاته، لكان معنى ذلك، أن الحقيقة الواحدة، تختلف في آثارها، وتتناقض في أحكامها وتتباين في ظواهرها. وهذا معناه، نسف قانون التناسب المذكور آنفا، على أنه أساس لكل القوانين العامة في العلوم الطبيعية، والقائل بأن الحقيقة الواحدة يستحيل أن تتناقض آثارها، وتختلف ظواهرها...
بعد كل ما قدمناه، يتضح إفلاس المذهب الطبيعي، عن إثبات زعمه بأن العلة الفاعلية لهذا الكون، هي نفسها علته المادية، وببيان فساد كلا المذهبين مذهب المصادفة والمذهب الطبيعي، ينتهي الكلام في النقطة الأولى من نقطتي هذا البحث.
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»