الرابع: لقد ذكرت الروايات، أن الأشعري انقطع عن الناس بعد أن انفصل عن أستاذه مدة خمسة عشر يوما فقط، ثم خرج إليهم ليباغتهم بمذهبه الجديد، ومن الواضح أن هذه المدة الوجيزة، لا تكفي لأن يكون الإنسان له رأيا واحدا في مسألة واحدة. فكيف يمكن تعقل كفايتها لأن يؤسس الأشعري خلالها مذهبا فكريا؟ أو كيف تعقل كفايتها لأن يستعرض كل الآراء في كل المسائل الاعتقادية لكل المدارس الموجودة في عصره مع أدلتها المتضاربة والمتنافرة، ثم يستخلص له من بينها مذهبا؟
الخامس: لقد صرح الأشعري عندما خرج على الناس، بعد هذه المدة الوجيزة: أنه نظر فتكافأت عنده الأدلة، فماذا فعل عندها؟ يقول: إنه استهدى الله فهداه إلى اعتقاد ما اعتقده!! ومن الواضح أن هذا المنطق غير مقبول في المجالات العلمية. إذ أن تعيين الحل الصحيح من بين حلين أو حلول في قضية من القضايا لا يعقل أن يكون من دون حجة أو دليل. أما أن يكون بالضرب بالرمل، أو استطلاع حال النجوم وحركة الفلك، فهذا شئ مضحك وسخيف. وقد تذكرت عندما قرأت قول الأشعري: نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شئ على شئ فاستهديت الله فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، قد تذكرت ذلك الزميل الذي كان معنا في الكلية يعين معنى كلمة إنجليزية في الامتحان من بين معان متعددة في ذهنه بالاستخارة بالسبحة!!