فهذه الآية العجيبة بينت لنا أن حال هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبث في الآفاق، ويريد الله تعالى أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى في الإشراق والإضاءة. وفي هذا منتهى التصغير لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم، لأن نفخة الفم القادرة على إطفاء النور الضعيف - كنور الفانوس - لن تقدر على إطفاء نور الإسلام العظيم الساطع.
وهذا من عجائب التعبير القرآني، ومن دقائق التصوير الإلهي، لما فيه من تمثيل فني رائع بلغ القمة في البيان، ولن تجد له نظيرا قط في غير القرآن.
ثم تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد هذا المثال، إرادة الله عز وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم، فقال تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾ (١).
والمراد بدين الحق هو دين الإسلام بالضرورة، لقوله تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ (2).
وقوله تعالى: (ليظهره على الدين كله)، أي: لينصره على جميع الأديان، والضمير في قوله تعالى: (ليظهره) راجع إلى دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية.
وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته، وقد اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أن إرادة أعداء الدين إطفاء نور الإسلام سوف لن تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الأديان، ولو كره المشركون.
والإظهار في الآية لا يراد به غير الغلبة والاستيلاء، قال الرازي في