كل هذا والإمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف، ولا يهم المعتمد العباسي العمر بعد أن عرف أن هذا الصبي هو الإمام الذي سيهد عرش الطاغوت نظرا لما تواتر من الخبر بأن الثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام سيملأ الدنيا قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.
فكان موقفه من مهدي الأمة كموقف فرعون من نبي الله موسى عليه السلام الذي ألقته أمه - خوفا عليه - في اليم صبيا، وبعض الشر أهون من بعض. ولم يكن المعتمد العباسي قد عرف هذه الحقيقة وحده وإنما عرفها من كان قبله كالمعتز والمهدي، ولهذا كان الإمام الحسن العسكري عليه السلام حريصا على أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي إلا بين الخلص من شيعته ومواليه عليه السلام، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته عليه السلام، إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود مرات عديدة وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلا فأي خطر يهدد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟! لو لم يدرك أنه هو المهدي المنتظر التي رسمت الأحاديث المتواترة دوره العظيم بكل وضوح، وبينت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.
ولو لم يكن الأمر على ما وصفناه فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذاب وزعمه بأن أخاه العسكري عليه السلام مات ولم يخلف ولدا؟
أما كان بوسع السلطة أن تعطي جعفرا الكذاب ميراث أخيه عليه السلام من غير ذلك التصرف الأحمق الذي يدل على ذعرها وخوفها من ابن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف؟!
قد يقال: بأن حرص السلطة على إعطاء كل ذي حق حقه هو الذي