الشيعة وفنون الإسلام - السيد حسن الصدر - الصفحة ١٢
المؤلف خريجا لتلك المدرسة الراقية، التي جعلته مثالا لتربيتها الصحيحة، ونموذجا لتهذيبها المتين.
وهكذا تتلمذ السيد المؤلف على السيد العلامة أبيه، حتى شب وترعرع وبلغ من العمر مبلغ الفتى الصغير، وعند ذاك نزعت نفسه الشريفة إلى طلاب العلم وتحصيل الفضل، وكذلك النفوس الكبيرة فإنها تنزع العمل بلا باعث، كما إنها تنتقي بذاتها أحسن العمل، ومن حينه لبى دعوتها بالارتياح وأنعمها جوابا بالقول الصراح، ثم أكب على العلم مجتهدا في التحصيل والاشتغال، حتى كان من أمره اليوم إنه أمسى فاقد الند وعديم المثال.
اجتهاده في التحصيل:
ليس الاجتهاد مما يفهمه الكثيرون، بل لم يكن هو في حين من الدهر مفهوما واضحا لكل أحد، بل إن ما يزعمه الكثيرون اجتهادا ليس من الاجتهاد في شيء، وهذا الزعم هو الذي ذهب بفضل المجتهد الصادق، وجعل الأمر مما يشكل بينه وبين المجتهد الكاذب، حتى صار لقب المجتهد مما يكال كيل المتاع بكل لسان، لكل انسان أجل إن الاجتهاد الصحيح مما يعسر فهمه على النفوس الصغيرة فأحرى بها ألا تستطيع إلى اتخاذه سبيلا فعبثا أن تنتحل لقب المجتهد لأنفسها باطلا، ما دامت تنظر إلى ما حولها، فتجد هناك رجال الجد والعمل، كيف يجدون ويجتهدون؟
بل إنهم كيف يلقون إليها دروسا من العمل الصادق، ما لو أنها كانت تقتنع، لأقنعتها هي ببطلان ذلك الزعم الفاسد منذ زمن بعيد.
تلك هي النفوس الكبيرة، بل أولئك هم رجال الجد والاجتهاد، ومن تلك النفوس نفس سيدنا المؤلف الكبير، الذي أصبح مصداقا واضحا لذلك المفهوم المشكل، لقد كنت أسمع من السيد المؤلف زمان كان شابا قوي العضلات أنه كان لا يكاد ينام الليل في سبيل تحصيله، كما إنه لا يعرف القيلولة في النهار.
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»