الوجع، حسبنا كتاب الله (1)!
ومما يشهد لهذا القول، بل يجعله يقينا لا شك فيه، ما ثبت عن ابن عباس في وصف اختلافهم عند النبي (ص) الذي حال دون كتابة ذلك الكتاب، فقد كان ابن عباس يصف هذا الحديث بأنه (الرزية، كل الرزية) ويذكره فيقول: (يوم الخميس، وما يوم الخميس! قالوا: وما يوم الخميس؟! قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع! وقالوا: ما شأنه! أهجر؟ استفهموه!!
فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم). ويبكي حتى يبل دمعه الحصى (2).
فلو كان الأمر كما وصفه الحديث المنسوب إلى عائشة يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر لم تكن ثمة رزية يبكي لها ابن عباس كل هذا البكاء ويتوجع كل هذا التوجع .
إن بكاء ابن عباس وتوجعه الشديد لهذا الحديث لهو دليل لا شئ أوضح منه على أن الذي أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الكتاب لم يتحقق، بل تحقق شئ آخر غيره لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراده ولا أشار إليه أدنى إشارة.
وتزداد هذه الحقيقة رسوخا حين ندرك أن ابن عباس هو واحد من (1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 11: 49.
(2) صحيح البخاري - كتاب المرضى - باب 17 / 5345 وفيه أن الذي اعترض على الرسول هو عمر، صحيح مسلم - كتاب الوصية / 15 و 21 و 22، مسند أحمد 1: 324، السيرة النبوية - للذهبي -: 384، البداية والنهاية 5: 248.