سيدخلون جهنم داخرين) (غافر - 60) والآية وما تقدمها ظاهرتان في أن المراد من الدعوة هو العبادة لا مطلق النداء وطلب الحاجة، وليس ذاك بمعنى استعمال الدعاء ابتداء في معنى العبادة حتى يكون الاستعمال مجازيا بل إنما استعملت في معناها الحقيقي، أعني: الدعاء، ولكن لما كان الدعاء مقرونا باعتقاد الداعي بإلوهية المدعو صار المراد منه - بالمآل - العبادة، وقد تقدمت تلك النكتة آنفا.
ويؤيد ما ذكرناه ما ورد في دعاء سيد الساجدين زين العابدين - عليه السلام - مشيرا إلى مفاد الآية المتقدمة حيث يقول:
" وسميت دعاءك عبادة، وتركه استكبارا وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين " (1).
وإنا لنطلب من القارئ الكريم أن يراجع بنفسه مادة الدعوة في المعجم المفهرس فسيرى ورود مضمون واحد تارة بلفظ العبادة وأخرى بلفظ الدعاء والدعوة.
وهذا هو أوضح دليل على أن المقصود من الدعوة في الآيات المذكورة (في مطلع هذا الفصل) هو العبادة وليس مطلق النداء.
هذا والقارئ الكريم إذا درس مجموع الآيات التي ورد فيها لفظ الدعوة وأريد منه القسم الملازم للعبادة لرأى أن الآيات إما وردت حول خالق الكون الذي يعترف جميع الموحدين بألوهيته وربوبيته ومالكيته. أو وردت في مورد الأوثان التي كانت عبدتها يتصورون ألوهيتها وأنها مالكة لمقام الشفاعة، وفي هذه الحالة فإن الاستدلال بهذه الآيات في مورد بحثنا الذي هو الدعاء مجردا عن تلك العقيدة لمن أعجب العجب!